فذِكْرُ التعليم بالقلم يتناول علم العبارة والنطق، وعبارة المعاني والعلوم؛ فإذا كان قد علّمه هذه العلوم1، فكيف يمتنع عليه أن يعلمه ما يأمره به، وما يخبره به.

وبيان ذلك: أنّه قال في أول السورة: {اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقْ} ، ومعلوم أنّ من رأى العلقة2 قطعة من دم، فقيل له: هذه العلقة يصير منها إنسان يعلم كذا وكذا، لكان يتعجب من هذا غاية التعجب، وينكره أعظم الإنكار. ومعلومٌ أنّ نقل الإنسان من كونه علقة إلى أن يصير إنساناً عالماً قادراً كاتباً، أعظم من جعل مثل هذا الإنسان يعلم ما أمر الله به، وما أخبر به؛ فمن قدر على أن ينقله من الصغر إلى أن يجعله عالماً قارئاً كاتباً، كان أن يقدر على جعله عالماً بما أُمر به، وبما أُخبر به أولى وأحرى.

وهذا كما استُدِلّ على قدرته على إعادة الخلق، بقدرته على الابتداء3. وقد أخبر الله تعالى عن الكفّار أنهم تعجّبوا من التوحيد، ومن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015