قطعنا في الحديث القدسي بنزول معناه لورود النص الشرعي على نسبته إلى الله، بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قال الله تعالى كذا" سميناه قدسيًّا لذلك، بخلاف الأحاديث النبوية فإنها لما لم يرد فيها مثل هذا النص جاز في كل واحد منها أن يكون مضمونه معلمًا بالوحي، وأن يكون مستنبطًا بالاجتهاد والرأي، فسمي الكل نبويًّا وقوفًا بالتسمية عند الحد المقطوع به، ولو كانت لدينا علامة، تميز لنا قسم الوحي لسميناه قدسيًّا كذلك.
على أن هذا الامتياز لا يؤدي إلى نتيجة عملية، فسواء علينا عند العمل بالحديث أن يكون من هذا القسم أو من ذاك؛ إذ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في تبليغه صادق مأمون، وفي اجتهاده فطن موفق، وروح القدس يؤيده فلا يقره على خطأ إن أخطأ في أمر من أمور الشريعة. فكان مرد الأمر في الحقيقة إلى الوحي في كلتا الحالتين، إما بالتعليم ابتداءً، وإما بالإقرار أو النسخ انتهاءً؛ ولذلك وجب أن نتلقى كل سنته بالقبول {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 1 {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} 2.