النبا العظيم (صفحة 166)

الحكم في تحديد موقع كل جزء منها؟ هاتان مرحلتان تتنزل الثانية منهما منزلة الصورة من مادتها. فلا جرم أن عكس القضية فيهما لا يكون إلا سيرًا بالعقل البشري في غير سبيله، وإدلاجًا به في مزلة لا قرار للإقدام عليها، ولا هدى للسالك فيها. وهل رأيت أحدًا سلك هذه السبيل المؤتفكة، ثم استقام له الأمر عليها إلى نهايته1؟

بل انظر إلى الإنسان حين يأخذ في ترتيب أجزاء المركب بعد جمعها. ألا تراه خاضعًا لسنة السير الطبيعي التي يخضع لها كل سائر إلى غرض ما؛ حسي أو عقلي؟ فهو إن قطع سبيله خطوات لم يستطع أن يجتاز أخراها قبل أولاها، وإن صعد فيه درجات لم يستطع أن يؤخر أسفلها عن أعلاها.

تلك حدود رسمتها قوانين الفطرة العامة، فلا يستطيع أحد أن يتخطاها. سواء في صناعاته المادية أو المعنوية. فالبنَّاء والحائك والكاتب والشاعر في هذه الحدود سواء.

ونضرب لك مثلا:

قدر في نفسك أن رجلًا نزل واديًا فسيحًا ليس عليه بنيان قائم، وليس به شيء من مواد البناء وأنقاضه، فما لبث أن أحس برجفة أرضية أو عاصفة سماوية، وإذا قمة الجبل تنصدع قليلًا فتلقي بجانبه صخرًا أو بضعه صخور.. ثم تمضي فترة طويلة أو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015