النبا العظيم (صفحة 133)

ضع يدك حيث شئت من المصحف، وعد ما أحصته كفك من الكلمات عدًّا، ثم أحصِ عدتها من أبلغ كلام تختاره خارجًا1 عن الدفتين، وانظر نسبة ما حواه هذا الكلام من المعاني إلى ذاك. ثم انظر: كم كلمة تستطيع أن تسقطها أو تبدلها من هذا الكلام دون إخلال بغرض قائله؟ وأية كلمة تستطيع أن تسقطها أو تبدلها هناك؟ فكتاب الله تعالى -كما يقول ابن عطية: "لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب لفظة أحسن منها لم توجد"2 بل هو كما وصفه الله {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} 3.

"ج-د":

"خطاب العامة" و"خطاب الخاصة":

وهاتان غايتان أخريان متباعدتان عند الناس، فلو أنك خاطبت الأذكياه بالواضح المكشوف الذي تخاطب به الأغبياء لنزلت بهم إلى مستوًى لا يرضونه لأنفسهم في الخطاب، ولو أنك خاطبت العامة باللمحة والإشارة التي تخاطب بها الأذكياء لجئتهم من ذلك بما لا تطيقه عقولهم، فلا غنى لك -إن أردت أن تعطي كلتا الطائفتين حظها كاملًا من بيانك- أن تخاطب كل واحدة منها بغير ما تخاطب به الأخرى؛ كما تخاطب الأطفال بغير ما تخاطب به الرجال، فأما أن جملة واحدة تلقى إلى العلماء والجهلاء، وإلى الأذكياء والأغبياء، وإلى السوقة والملوك فيراها كل منهم مقدرة على مقياس عقله وعلى وفق حاجته فذلك ما لا تجده على أتمه إلا في القرآن الكريم. فهو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015