الشيخ عبد الله دراز شغفه بكتاب الله، فأخذ عنه ضرورة التلاوة لستة أجزاء منه كل يوم، وما ترك هذه العبادة يومًا من الأيام، وما كنت تراه إلا قارئًا للقرآن، وقراءة عالم مفكر مثله لهذا الورد اليومي، لا بد أن تفتح عليه بما يضيء بصيرته، ويمده بأوفر الزاد وأشهاه ... "1.
لقد كانت حياة محمد عبد الله دراز مع القرآن حياة القلب المعلق به، والعقل الذي يستفتيه في كل ما يعنيه، وعلى ضوئه يأخذ سبيله مؤتمِرًا.. منتهِيًا؛ لإيمانه العميق بأن أحق ما يشتغل به الباحثون، وأفضل ما يتسابق عليه المتسابقون.. مدارسة كتاب الله، ومداومة البحث فيه، والغوص عن لآلئه، والكشف عن علومه وحقائقه، وإظهار إعجازه وتجلية محاسنه، والدفاع عن ساحته ونفي الشكوك والريب عنه، فالقرآن بحر لا يدرك غوره، ولا تنفد درره، ولا تنقضي عجائبه، فما أحق الأعمار أن تفنى فيه، والأزمان أن تشغل به.
هكذا كان إيمان الرجل القرآني الذي أدرك وأيقن منذ صباه المبكر أن الحياة في رحاب القرآن نعمة؛ نعمة تزيد العمر وتباركه وتزكيه وتقوي الإيمان وتنميه.
فها هو ذا يدعو ربه سبحانه في مقدمة هذا الكتاب أن يجعله من خيار وارثيه، الذين هم بهدايته مستمسكون، والذين هم على حراسته قائمون، والذين هم تحت رايته يوم القيامة يبعثون، في جند إمامنا الأعظم، ورسولنا الأكرم، محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم.
أجل؛ كان محمد عبد الله دراز اللسان الذي كان رطبًا بذكر الله وتلاوة القرآن والتدبر في آياته، فكان نغمًا عذبًا في كل أذن تسمع كلام الله، كان عالمًا قرآنيًّا يتفجر بالحكمة القرآنية والموعظة الحسنة التي تغلغلت في كل قلب، وطهرت كل روح.
وكتابه الفذ "النبأ العظيم" صدى هذا الروح المؤمن، الذي كان يسري في حنايا