أما موضوع الكتاب، فخطره جليل ذلك أن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ... } فصارت السنة بهذه الآية - وبغيرها - هي المبينة في القرآن مما يلتبس على إفهام الناس. ويعلم كل عارف بالتاريخ كم أدخل الوضاعون - على اختلاف مذاهبهم - في السنة من الأباطيل والمناكير، بل وشارك في ذلك كثير من الصالحين الذين لم يكن ضبط الحديث من همتهم، فصار الدخن كثيراً. غير إن كثرة الأئمة العارفين بهذا الشأن كان يهون من الخطب حتى قيل لابن المبارك - شيخ الإسلام: - ((الأحاديث الموضوعة؟! قال: تعيش لها الجهابذة)) . وقال الدارقطني يوماً: ((يا أهل بغداد! لا يظنن أحدكم أنه يقدر أن يكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا حي)) وذلك لسعة دائرة حفظة وإدراكه.
ودون الناس الكتب فمنهم من كان يتحرى الصحيح وحده كالشيخين، ومنهم من كان يجمع الصحيح والضعيف دون الموضوع؛ كأصحاب السنن الأربعة (?) وغيرهم، ومنهم من جمع كل ما وقع بإسناد فدونها حفاظاً لها من الضياع، فخلفوا لنا ثروة هائلة، فجزاهم الله خيراً، فدار الزمان، وقبض العلم بقبض العلماء كما في الحديث الصحيح: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) . أخرجه الشيخان وغيرهما، فلما قل العارفون بهذا الشأن، تضاعفت المصيبة بعد أن صار الناس - ومنهم من يتصدر للتدريس والوعظ - يلوكون هذه الأحاديث