قال أبو عبيد: وقد كان بعض أهل العلم يتأول هذه الآية على الرخصة لأهل مكة خاصة في سقوط دم المتعة عنهم إن هم تمتعوا وقرنوا وإنّ الذي تأوله عمر خلاف ذلك ألا ترى أنه إنما جعل الآية تغليظا على أهل مكة ورخصة لسائر الناس سواهم فأراد أن الله عز وجل لم يأذن لأهل مكة في المتعة البتة لقوله:
ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، يقول: ليس لهم التمتع، وذهب الآخرون إلى أن لهم أن يتمتعوا ولا دم عليهم.
قال أبو عبيد: فالذي عندنا أنه ليس للتأويل وجه إلا قول ابن عمر من أجل أن من بعدت داره عن مكة إذا أخطأتهم الرخصة في المتعة والقران لم يجدوا بدّا من خلتين إحداهما: أن يعتمروا قبل أشهر الحج ثم يقيموا بمكة حتى يحجوا وفي ذلك طول الثوى والاغتراب عن الأوطان، والخلة الأخرى: أن ينصرفوا بعد العمرة إلى منازلهم ثم ينشؤا للحج سفرا ثانيا في أوانه وكلتا الخلتين فيهما مشقة وأذى، فأذن الله عز وجل لهم في الجمع بين الحج والعمرة في سفر واحد بمتعة أو قران مع إقامة يسيرة، وأخرج أهل مكة من هذه الرخصة لأنهم مقيمون في أهليهم لا يتجشّمون سفرا ولا يطول بهم اغتراب عن وطن فلم يجعل لهم أن يعتمروا في أشهر الحج.
قال أبو عبيد: وإنما نهي عمر بن الخطاب عن هذه المتعة فإن ذلك لم يكن منه على وجه التحريم ولا الكراهة لها، وكيف يأباها وهي في الكتاب والسنة جميعا ولكنه كان منه على وجه الاختيار، وذلك لخلال شتى:
إحداهنّ: الفضيلة ليكون الحج في أشهره المعلومة له وتكون العمرة في غيرها من الشهور.
والخلة: الثانية: أنه أحبّ عمارة البيت وأن يكثر زواره في غير الموسم.
والثالثة: أنه أراد إدخال المرفق (?) على أهل الحرم بدخول الناس إليهم وكل هذه الوجوه قد جاءت بها الأخبار عنه مفسّرة.