إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
فقد طلب مني بعض الأخوة الأفاضل أن أكتب محاضرات في مادة علم تخريج الحديث النبوي، لطلاب قسم الحديث في الجامعة الإسلامية ببغداد، فعقدت العزم بعد التوكل على الله تعالى وشرعت بكتابة محاضرات فيها بعبارة سهلة تيسر على الطالب الاستفادة منها عملياً إن شاء الله تعالى، إذ الغالب في البحوث التي تعرضت لهذا العنوان غلبت عليها الدراسة الوصفية النظرية، فأردت في هذه العجالة تيسير عرضه على الطلبة ولا سيما بعد ضعف الهمة في طلب العلم وقصور الطالبين على المختصرات حتى بلغ ببعض من تخصص في الحديث في الدراسات العليا أن يكتفي في دراسة الإسناد بعزو الحديث إلى مصدر أو مصدرين ويسميه تخريجاً!
ومما دفعني أكثر إلى كتابة هذا البحث ما رأيت من بعض المشتغلين -اليوم- بالحديث النبوي وتحقيقه من تخبط في تخريج الحديث أو قصور فيه، ومنهم من يظن أنّ الحكم على الإسناد هو عملية رياضية (1+1=2)، فيعمد إلى تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر العسقلاني ثم يدرس رجال الإسناد: فإن كانوا ثقاتاً قال: صحيح، وإن كانوا صدوقين أو فيهم صدوق قال: حسن، وإن كان فيه ضعيف قال ضعيف! من دون الرجوع إلى دواوين العلل والرجال، وهذا غلط محض، وقد صُحِّحتْ عشرات بل مئات الأحاديث بناءً على هذه الطريقة، ولو فتشت عن هذه الأحاديث بتأنٍّ في كتب العلل لوجدتها هناك ولا أرى يخلص منها إلا مثل همل النعم.
وإن تعجب فعجب من أولئك الذين يُخطِّئون أئمة النقد الجهابذة، ويردون كلامهم وأحكامهم بفهم معوج لقواعد مصطلح الحديث، أو يحاكمونهم على وفق قواعد المتأخرين! وكم من مرة تقرأ مثل ذلك هنا أو هناك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فأردت في هذا البحث -المتواضع- إرشاد طلبتنا الأعزاء والأخوة الباحثين بأيسر العبارة، دون غوص في تفرعات الموضوع، كما وجدته في كثيرٍ من البحوث التي تحدثت عن التخريج