رأيت أهل العلم بالشعر يستحسنون قول عنترة العبسى فيما أخبر به عن شكيّة فرسه إليه التعب لدوام الحرب، فقال «85» :
فازور من وقع القنا بلبانه ... وشكا إلىّ بعبرة وتحمحم
فلم يخرج الفرس عن التحمحم إلى الكلام، ثم قال:
لو كان يدرى ما المحاورة اشتكى ... ولكان لو عرف الجواب مكلّمى
فوضع عنترة ما أراده فى موضعه، لا كما قال ابن هرمة «86» :
نراه إذا ما أبصر الضيف كلبه ... يكلّمه من حبّه وهو أعجم
فإنه أقنى الكلب فى قوله: إنه يكلمه، ثم أعدمه إياه عند قوله: إنه أعجم من غير أن يزيد فى القول ما يدلّ على أنّ ما ذكره إنما أجراه على طريق الاستعارة.
أخبرنى يوسف بن يحيى بن على المنجم، عن أبيه قال: حدثنى أبو أيوب المدينى، قال: حدثنى أبو الحسن الباهلى، عن فليح بن سليمان، عن إسماعيل بن جعفر مولى خزاعة الفقيه، قال: حدثنى أبى، قال: مررت بابن هرمة جالسا على دكان فى بنى زريق، فقلت: ما أقعدك ها هنا يا أبا إسحاق؟ فقال: قلت:
فإنك واطّراحك وصل سعدى ... لأخرى فى مودّتها نكوب
ثم قطع بى فلم أستطع أن أجوزه، فمرت بى وصيفة للحىّ قد ثقبت أذنيها وفيها خيوط عهن وقد فاحتا، فذرت عليهما آسا؛ فقلت: مالك، ويحك، يا فلانة؟ فقالت: ثقبت