إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44) .

قال الزمخشري «1» :

إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً، أي: لا ينقصهم شيئا مما يتصل بمصالحهم من بعثة الرسل وإنزال الكتب، ولكنهم يظلمون أنفسهم بالكفر والتكذيب.

أقول: هكذا درج المفسرون عامة على تفسير الظلم في هذه الآية، بمعنى نقصهم حسناتهم.

وقد يكون «نقص الحسنات والمصالح» ظلما، ولكني أقول:

المراد، والله أعلم، أنهم لم يظلموا شيئا، أي: ما كان قليلا جدا.

وأنا إن أذهب إلى هذا فدليلي ما يمكن أن يوحي به استعمال لفظ «شيء» في طائفة من آي الذكر الحكيم.

قال تعالى: وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ [البقرة/ 113] . عَلى شَيْءٍ أي: على شيء يصح ويعتدّ به.

وقال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ [البقرة/ 155] .

بِشَيْءٍ بقليل من كل واحد من هذه البلايا، وطرف منه.

وقال تعالى: يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران/ 154] .

يقول الكافرون بعضهم لبعض هل لنا من النصر والفتح والظفر نصيب، قالوا ذلك على سبيل التعجب والإنكار، أي: أنطمع أن يكون لنا الغلبة على هؤلاء، أي: ليس لنا من ذلك شيء.

أقول: والقلّة المتضمنة في «شيء» ، يعضدها التنكير، وزيادة «من» الجارة قبلها.

ومثل هذه الآية قوله تعالى: وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ

[النساء/ 113] .

والمعنى: لا يضرّونك بكيدهم ومكرهم شيئا، فإن الله حافظك وناصرك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015