ثم أمره أن يسألهم من يرزقهم من السماء والأرض؟ ومن يملك السمع والبصر؟ ومن يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحي؟ ومن يدبّر الأمر؟ وذكر أنهم سيقولون الله، وأنه يجب عليهم حينئذ أن يتّقوه، وأن من يكون هذا شأنه يكون ربّهم الحق، وأنه ليس بعد الحق إلّا الضلال فإنّى يصرفون ثم أمره أن يسألهم هل من شركائهم من يبدأ الخلق ثم يعيده؟ وأن يجيب عنهم بأنه هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده فإنّى يؤفكون، ثم أمره أن يسألهم هل من شركائهم من يهدي إلى الحق؟ وأن يجيب عنهم بأنه سبحانه هو الذي يهدي للحق، وحينئذ يكون هو الأحق بأنّ يتّبع ممّن لا يهدي إلّا أن يهدى فما لهم كيف يحكمون وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (36) .
ثم قال تعالى: وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (37) فانتقل من إبطال شبههم على القرآن إلى تحدّيهم به، وذكر أنه ما كان أن يفترى من دونه، ولكنه تصديق لما قبله من الكتاب وتفصيل له، وأنه لا ريب في تنزيله من عنده، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة مثله، وأن يدعوا من استطاعوا من دونه ليساعدهم على الإتيان به ثم ذكر أنهم يكذبون به من غير أن يحيطوا بعلمه، ومن قبل أن يأتيهم تأويله، فكذّبوا به جهلا وعنادا، كما كذّب الذين من قبلهم ثم ذكر أن منهم من يؤمن به وينكره عنادا، ومنهم من لا يؤمن به جهلا، وأنه أعلم بهم ومجازيهم على كفرهم، ثم أمره إن كذّبوه بعد تحديهم وعجزهم أن يتركهم ولا يطمع في إيمانهم، لأن منهم من يستمعون إليه فلا يسمعون، ولا يمكنه أن يسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون، ومنهم من ينظر إليه فلا ينظر، ولا يمكنه أن يهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون ثم ذكر أنه لم يظلمهم بهذا، ولكن أنفسهم يظلمون.
ثم أتبع ذلك بوعيدهم، فذكر، سبحانه، أنه يوم يحشرهم يكون حالهم كحال من لم يلبث إلا ساعة من النهار في الدنيا، لأنهم لم ينتفعوا بما مكثوه