أي النور من الظلام، والظلام من النور والنهار من الليل، والليل من النهار والمؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، والنبتة من الحبة، والحبة من النبتة والفرخ من البيضة، والبيضة من الفرخ ... إلى آخر هذه المشاهدات العجيبة، وإلّا فأين كانت تكمن السنبلة في الحبة؟ وأين كان يكمن العود، وأين كانت الجذور والساق والأوراق؟.
وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ كله في هذا الذي ذكر، وفي سواه من شؤون الكون وشؤون البشر؟ من يدبّر الناموس الكوني الذي ينظم حركة هذه الأفلاك على هذا النحو الدقيق؟
ومن يدبر السنن الاجتماعية التي تصرف حياة البشر.
فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (31) .
أفلا تخشون الله الذي يرزقكم من السماء والأرض، والذي يملك السمع والأبصار، والذي يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ، الذي يدبّر الأمر كله في هذا وفي سواه.
فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ [الآية 32] .
هو سبحانه صاحب الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين.
اشتملت الآيات (71- 93) من سورة يونس على ذكر طرف من قصة نوح (ع) مع قومه وقصة موسى (ع) مع فرعون وملئه. وقد تحقق فيهما عاقبة المكذّبين، وهلاك المخالفين لأوامر الله وهدى رسله، والقصص في القرآن يجيء في السياق ليؤدي وظيفة فيه، ويتكرّر القصص في المواضع المختلفة بأساليب تتفق مع مواضعه من السياق والحلقات التي تعرض منه في موضع تفي بحاجة ذلك الموضع. وتلاحظ فيما عرض من قصتي نوح وموسى (ع) هنا، وفي طريقة العرض، مناسبة ذلك لموقف المشركين في مكّة من النبي (ص) والقلة المؤمنة معه، واعتزاز هذه القلة المؤمنة بإيمانها في وجه الكثرة والقوة والسلطان، كما تلحظ المناسبة الواضحة بين القصص والتعقيبات التي تتخلله وتتلوه.
قصة نوح
بدأت قصة نوح (ع) من الحلقة الأخيرة، حلقة التحدي الأخير بعد الإنذار الطويل والتذكير والتكذيب،