تخلص من هذا إلى بيان ما نزل على المسلمين في هذا العهد من الأحكام اللازمة لهم في عباداتهم ومعاملاتهم.
وقد ابتدأت هذه السورة بإثبات نزول القرآن من عند الله، ليكون تمهيدا لبيان فساد ذلك الشّغب الذي قام في امره وفي أمر النّبيّ (ص) ، وهذا هو وجه المناسبة في ذكرها بعد سورة الفاتحة، فضلا عن أنّها أطول سورة في القرآن.
قال الله تعالى: الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) فذكر أنّ القرآن نزل قطعا من عنده، وأخذ في التنويه بشأنه، فذكر أنّه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب، إلى غير هذا ممّا ذكره من أوصافهم، ثم ذكر مخالفيهم من أحبار اليهود والمنافقين، ووصف نفاق المنافقين من المشركين أشنع وصف، وضرب في شناعة أمرهم المثل بعد المثل، ثم أمرهم أن يعبدوه لأنّه هو الذي خلقهم والذين من قبلهم، وجعل لهم الأرض فراشا والسماء بناء وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) .
ثم قال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23) فأقام الدليل على تنزيل القرآن من عنده بتحدّيهم أن يأتوا بسورة من مثله، وأمرهم أن يدعوا في ذلك آلهتهم ليعينوهم على الإتيان به، ثمّ حذرهم من الاستمرار في الكفر بعد ذلك التحدّي، وبشّر المؤمنين بأنّ لهم جنات تجري من تحتها الأنهار.
كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25) .
ثم قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها، فردّ على مقالتهم الأولى، وذلك أنّه لما