يسألهم أيضا: ألم يأتكم رسل يقصّون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا؟ فيعترفون بذلك ويشهدون على أنفسهم أنهم كانوا كافرين. ثم ذكر أن ذلك العذاب، إنّما كان بعد بعث الأنبياء، لأنه لا يليق بعد، له أن يهلك القرى قبل تنبيهها من غفلتها، وأنّ ثوابه وعقابه على درجات بقدر الأعمال، وأنه غنيّ ذو رحمة، لو شاء لعجّل لهم العذاب في الدنيا، واستخلف من بعدهم من يشاء من خلقه، وأن ما يوعدون من ذلك لآت، وما هم بمعجزين قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) .
ثم قال تعالى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً [الآية 136] فذكر من بدعهم في شركهم، أنهم جعلوا له سبحانه نصيبا مما ذرأ من حرثهم وأنعامهم ونصيبا لآلهتهم، فإن نما نصيب آلهتهم دون نصيبه تركوا نصيبها لها، وقالوا لو شاء نمّى نصيب نفسه، وإن نما نصيبه دون نصيبها قالوا لا بد لها من نفقة، فأخذوا نصيبه، فأعطوه لسدنتها. ثم ذكر منها أنهم كانوا ينحرون أولادهم لآلهتهم، وكان الرجل يقوم في الجاهلية فيحلف لئن ولد له كذا وكذا غلاما لينحرنّ أحدهم ثم ذكر منها حجرهم لبعض أنعامهم، وتحريم ظهور بعضها، وتحريم ذكر اسم الله على بعضها، وجعل ما في بطون بعضها خالصة لذكورهم محرّما على أزواجهم، وقتلهم أولادهم سفها بغير علم، وتحريمهم ما رزقهم الله من الطيبات افتراء عليه: قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (140) .
ثم بيّن حكمه في ذلك، فذكر أنه سبحانه هو الذي أنشأ جنّات معروشات وغير معروشات، والنخل والزرع وغيرهما، وأمر الناس أن يأكلوا منها ويؤدوا حقه فيها يوم حصادها ثم ذكر أنه أنشأ من الأنعام حمولة تحمل أثقالنا، وأنشأ منها فرشا يفرش للذبح، وأمر الناس أن يأكلوا منها ولا يتّبعوا فيها الشيطان فيما زيّنه من تلك البدع، وذكر أنه أباح من ذلك ثمانية أزواج ذكر وأنثى من كل من الضأن والمعز