سمّيت هذه السورة بسورة الأنعام، والأنعام ذوات الخفّ والظّلف: وهي الإبل والبقر والغنم بجميع أنواعها، لأنّها هي السورة التي عرضت لذكر الأنعام على تفصيل لم يرد في غيرها من السور، فقد ورد ذكر الأنعام في مواضع كثيرة من القرآن عرضا أمّا سورة الأنعام، فقد جاءت بحديث طويل عن الأنعام استغرق خمس عشرة آية، من أول الآية 136 إلى آخر الآية 150. وقد تناول الحديث عن الأنعام في هذه الآيات من السورة جوانب متعددة، تتصل بعقائد المشركين، فبينت السورة ما في عقائدهم من الخلل والفساد، إذ كانوا يحرمون بعض الأنعام على أنفسهم، ويجعلون قسما من الأنعام لآلهتهم وأصنامهم، وقسما لله، ثم يجورون على القسم الذي جعلوه لله فيأخذون منه لأصنامهم.
نزلت سورة الأنعام في السنة الرابعة من البعثة المحمّديّة، أي عقب أمر النبي (ص) أن يصدع بالدعوة ويعلنها للناس بعد أن أسرّ بها ثلاث سنين.
وتميّزت الفترة التي نزلت فيها سورة الأنعام بقسوة المشركين وعنفهم في مقاومة الدعوة الإسلامية وإنكارها، فقد بدأت الدعوة سرّا، ثم جهر النبي (ص) بدعوته في مكة. ونزلت سورة الأنعام بعد الجهر بالدعوة بسنة واحدة، فاستعرضت الأدلة على توحيد الله وقدرته ثم ساقت أدلة المشركين وشبههم فأبطلتها وفندتها.
وقد أخذ المشركون بالنجاح الذي صارت عليه دعوة الإسلام حتى استطاعت أن تعلن عن نفسها بعد الخفاء، وأن تتحدّى بصوت عال ونداء جهير، بعد أن كان المؤمنون بها يلجئون إلى الشعاب والأماكن البعيدة ليؤدّوا صلاتهم، ورأى المشركون أن محمدا (ص) ماض في إعلان دعوته وتلاوة ما أنزل عليه من الكتاب، وفيه إنذار لهم وتفنيد لمعتقداتهم، وتسفيه لآرائهم، وإنكار لآلهتهم، وتهكّم بأوثانهم وتقاليدهم البالية، فكان منهم من يستمع للقرآن متأثّرا بقوّته أو متذوّقا لبلاغته، ومنهم من يبعد عنه خوفا منه. يومئذ واجهت دعوة الحق أعداءها مسفرة واضحة متحدّية، ووقف هؤلاء الأعداء مشدوهين مضطربين، يشعرون