ثم قال تعالى: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ [الآية 79] . فذكر الرد على مقالتهم الرابعة، وهي زعمهم أن عيسى (ع) كان يدّعي الألوهية، ويأمر قومه بعبادته، فرد عليهم بأنه ما كان لبشر أن يؤتيه الكتاب والحكمة والنبوة ثم يأمر الناس بمثل ذلك، فيصير بهم إلى الكفر بعد الإسلام الذي كانوا عليه من قبله، ثم ذكر أن هذا الإسلام كان ميثاقه على النبيين وأتباعهم أن يصدّقوا الرسول المنتظر الذي يجيء به، فمن تولّى عنه بعد ذلك يكون فاسقا. ثم أنكر عليهم أن يبغوا غير هذا الإسلام، لأنه دين الفطرة الذي يؤمن به كل من في السماوات والأرض من العقلاء وغيرهم طوعا وكرها، إذ يخضعون جميعا لله وحده. ثم أمر النبي (ص) أن يذكر لهم أنه هو الدين الذي أنزل على إبراهيم والأنبياء بعده من ذريته، وأنه يؤمن بهم جميعا ولا يفرّق بينهم، وأن من يتّبع غير الإسلام الذي دعوا إليه فلن يقبل منه، ثم ذكر أن مثل هؤلاء القوم الذين كفروا بعد إيمانهم، وشهادتهم أن الرسول المنتظر حق، لا ترجى هدايتهم، وأن جزاءهم على ذلك اللعنة الخالدة والعذاب الشديد، وأن من تاب منهم بعد ذلك وأصلح فإن الله يغفر له ما سبق منه، وأن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا بعد ظهور الإسلام كفرا لن تقبل توبتهم، ولن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا إذا تقرّب به إلى الله مع كفره، ولو افتدى به يوم القيامة لم ينفعه، فلن ينالوا البرّ حتى ينفقوا في دنياهم مما يحبون وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) .
ثم قال تعالى: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (93) . فذكر الرد على مقالتهم الخامسة، وهي قولهم للنبي (ص) : إنك تدّعي أنك على ملّة إبراهيم، فكيف تأكل لحوم الإبل مع أنها حرام في تلك الملة؟ وقد رد عليهم بأن ذلك كان حلالا في ملّة