في غزوة بدر عبرة يعتبرون بها، فقد غلب المسلمون فيها، على قلتهم، قريشا على كثرة عددها، ثم ذكر أنهم قد زيّن لهم حبّ أموالهم، وإنما هي متاع الحياة الدنيا، ولا قيمة لها بجانب ما أعد الله للمؤمنين من نعيم الآخرة.
ثم ختم ذلك بتقرير أن تفرّده بالألوهية معروف قد شهد به في كتبه، وهذا في قوله: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) .
ثم قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [الآية 19] . فذكر الرد على مقالتهم الثانية، وكان النبي (ص) قد قال لهم: أسلموا فقالوا: قد أسلمنا.
فقال لهم: كذبتم، يمنعكم من الإسلام ادّعاؤكم أن لله ولدا، وعبادتكم الصليب، وأكلكم لحم الخنزير. وقد احتجوا أمامه على ألوهية عيسى بأنه كان يحيى الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص، إلى غير ذلك مما ذكروه، وعلى أنه ابن الله بأنه لم يكن له أب يعلم، فرد عليهم ذلك أوّلا بإثبات أن الدين عنده هو الإسلام له وحده، لا ما هم عليه من جعله ثالث ثلاثة، وقد نزل كتابهم بذلك فحرفوه وبدلوا آياته، فإن حاجّوا في ذلك بمثل ما ذكروه فإنما هي شبه واهية لا قيمة لها، وعلى النبي (ص) والمسلمين أن يمضوا في إسلامهم ولا يلتفتوا إلى تلك الشبه الواهية. فإذا أسلم أهل الكتاب ومشركو العرب كإسلامهم، فقد اهتدوا وإن تولّوا، فلا عذر لهم بعد تبليغهم. ثم ذكر ما ينفي الإيمان به عن أهل الكتاب، من كفرهم بآياته، وقتلهم الأنبياء بغير حق، وأوعدهم بما أعدّ لهم من عذابه، ثم ذكر من كفرهم أنهم يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم فيما اختلفوا فيه، فيتولّون عنه وهم معرضون، وأنهم يزعمون أن النار لا تمسّهم إلا أياما معدودات بقدر أيام الخلق، ثم أوعدهم بأنه سيجمعهم ويعاقبهم على ما كسبوا من ذلك الكفر، ثم أمر النبي (ص) أن يذكر لهم أنه مالك الملك وحده، يعز من يشاء من خلقه، ويذل من يشاء منهم، فلا يمتاز أهل الكتاب بشيء على غيرهم، ثم أكد هذا بأنه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ويخرج الحي من الميّت ويخرج الميت من الحي،