الضخم البعيد المطارح، لتراه الأجيال المسلمة قويّا واضحا عميق التركيز على كشف الأعداء التقليديين لهذه الأمة ولهذا الدين.
ولا يتحقق التعريف بسورة آل عمران حتى نلم بثلاثة خطوط عريضة فيها تتناثر نقطها في السورة كلها، وتتجمع وتتركز في مجموعها، حتى ترسم هذه الخطوط العريضة بوضوح وتوكيد.
أول هذه الخطوط: بيان معنى الدين ومعنى الإسلام، فليس الدين هو كل اعتقاد في الله. وإنما هو صورة واحدة من صور الاعتقاد فيه سبحانه، صورة التوحيد المطلق الناصع القاطع، توحيد الألوهية التي يتوجه إليها البشر كما تتوجه إليها سائر الخلائق في الكون بالعبودية. وتوحيد القوامة على البشر وعلى الكون كله. فلا يقوم شيء إلا بالله تعالى، ولا يقوم على الخلائق إلا الله تعالى. ومن ثم يكون الدين والتلقي من هذا المصدر وحده في كل شأن من شؤون الحياة، والتحاكم إلى كتاب الله المنزل من هذا المصدر، واتّباع الرسل الذين نزل عليهم الكتاب، وهو في صميمه كتاب واحد، وهو في صميمه دين واحد ... ، هو الإسلام. بهذا المعنى الواقعي في ضمائر الناس وواقعهم العملي على السواء، والذي يلتقي عليه كل المؤمنين أتباع الرسل، كل في زمانه، متى كان معنى إسلامه هو الاعتقاد بوحدة الألوهية والقوامة، والطاعة والاتّباع في منهج الحياة كله بلا استثناء. ويتكئ سياق السورة على هذا الخط، ويوضحه في أكثر من ثلاثين موضعا من السورة بشكل ملحوظ. نضرب له بعض الأمثلة بالآيات الآتية:
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) .
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [الآية 19] .
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [الآية 31] .
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (32) .
أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) .