انتصر المسلمون في غزوة بدر في العام الثاني من الهجرة نصرا كاملا باهرا بأيسر الجهد والبذل. فقد خرج ذلك العدد القليل من المسلمين غير مزودين بعدة ولا عتاد، إلا اليسير، فلاقوا ذلك الجحفل الضخم من قريش في عدتهم وعتادهم. ثم لم تلبث المعركة أن انجلت عن ذلك النصر المؤزّر الباهر.
وكان هذا النصر في الواقعة الأولى التي يلتقي فيها جند الله بجند الشرك قدرا من الله ندرك اليوم طرفا من حكمته، ولعله كان لتثبيت الدعوة الناشئة وتمكينها بل لإثبات وجودها الفعلي على محك المعركة لتأخذ بعد ذلك طريقها.
ولعلّه قد وقع، في نفوس المسلمين، من هذا النصر، أنه الشأن الطبيعي الذي لا شأن غيره، وأنه لا بد ملازمهم على أي حال في كل مراحل الطريق، أليسوا بالمسلمين؟ أليس أعداؤهم بالكافرين؟ وإذن فهو النصر لا محالة حيثما التقى المسلمون بالكافرين.
غير أن سنّة الله في النصر والهزيمة ليست بهذه الدرجة من البساطة والسذاجة. فلهذه السنة مقتضياتها في تكوين النفوس وتكوين الصفوف، وإعداد العدة واتباع المنهج والتزام الطاعة والنظام، واليقظة لخوالج النفس ولحركات الميدان. وهذا ما أراد الله أن يعلمهم إياه بالهزيمة في (غزوة أحد) على النحو الذي تعرضه سورة آل عمران عرضا حيا مؤثرا عميقا، وتعرض أسبابه من تصرفات بعض المسلمين، وتوجه في ظله العظات البناءة للنفس وللصف المسلم على السواء.
وحين نراجع غزوة أحد نجد أن تعليم المسلمين هذا الدرس قد كلفهم أهوالا وجراحات وشهداء من أعز الشهداء، على رأسهم حمزة رضي الله عنه وأرضاه، وكلفهم ما هو أشق من ذلك كله على نفوسهم، كلفهم أن يروا رسولهم الحبيب تشج جبهته، وتكسر سنه، ويسقط في الحفرة، ويغوص حلق المغفر في وجنته (ص) الأمر الذي لا يقوم بوزنه شيء في نفوس المسلمين. ويسبق استعراض (غزوة أحد) وأحداثها في السورة قطاع كبير تستغرقه كله توجيهات متشعبة لتصفية