ومعجزة القرآن البارزة تكمن في أنه نزل لمواجهة واقع معين، في حياة أمة معينة، في فترة من فترات التاريخ محددة، وخاض بهذه الأمة معركة كبرى حوّلت تاريخها وتاريخ البشرية كله معها، ولكنه، مع هذا، يعارض ويواجه، ويملك أن يواجه الحياة الحاضرة، وكأنما هو يتنزل اللحظة لمواجهة الجماعة المسلمة في شؤونها الجارية، وفي صراعها الراهن مع الأعداء من حولها، وفي معركتها كذلك في داخل الناس وفي عالم الضمير بالحيوية نفسها، والواقعية نفسها، التي كانت له هنالك يومذاك.

وإذا كان من المضحك أن يقول قائل عن الشمس مثلا: هذا نجم قديم رجعي يحسن أن نستبدل به نجما جديدا تقدّميا. أو أن هذا الإنسان مخلوق قديم رجعي يحسن أن يستبدل به كائن آخر تقدمي لعمارة هذه الأرض.

إذا كان من المضحك أن يقال هذا أو ذاك، فأولى أن يكون هذا هو الشأن في القرآن، خطاب الله الأخير للإنسان.

لقد عاش القرآن في ضمير الجماعة المسلمة، وأخذ بيدها خطوة خطوة، وسار معها وهي تتعثر وتنهض، وتحيد وتستقيم وتضعف وتقاوم، وتتألم وتحتمل وترقى في الدرج الصاعد في بطء ومشقة، في صبر ومجاهدة.

تتجلى فيها خصائص الإنسان كلها، وضعف الإنسان كله، وطاقات الإنسان كلها.

لقد واكب القرآن نصر المسلمين في بدر، وهزيمتهم في أحد، فكان القرآن في التربية السلوكية قد أعلمهم أن النصر من عند الله، وأن النصر سلاحه الإيمان وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والثقة بالله والاعتماد عليه، والعمل الدائب المخلص. وفي أعقاب الهزيمة في أحد كان القرآن يبلسم الجراح، ويمسح الآلام، ويوضح أن الأيام دول، وأن الحرب سجال: يوم لك ويوم عليك.

وكانت للقرآن دعوات متكررة في سورة آل عمران تحث على الصبر والمصابرة والرباط والمرابطة، وتبين شرف الشهادة وأجر المجاهدين وثواب الصابرين، فيقول سبحانه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015