ويبطل الفرية والشبهة ويثبّت القلوب والأقدام، ويوجه الأرواح والأفكار ويعقب على الحادث ويبرز فيه العبرة، ويبني التصور ويزيل عنه الأوهام، ويحذر الجماعة المسلمة من العدو الغادر، والكيد الماكر، ويقود خطاها بين الأشواك والمصايد والأحابيل، قيادة الخبير بالفطرة العليم بما تكنّ الصدور.
وإذا أعدنا قراءة سورة آل عمران وقصة بدر وأحد فيها، أدركنا أن هذا القرآن هو قرآن هذه الدعوة في أي مكان وأي زمان، وهو دستور هذه الأمة في أي جيل ومن أي قبيل، وهو حادي الطريق وهادي السبيل على توالي القرون ... ذلك أنه خطاب الله الأخير لهذا الإنسان في جميع العصور.
في هذه الفترة التي نزلت فيها السورة كانت الجماعة المسلمة في المدينة قد استقرت بعض الاستقرار في موطنها الجديد في مدينة الرسول (ص) ، وكانت غزوة بدر الكبرى قد وقعت وكتب الله فيها النصر للمسلمين على قريش، وكان هذا النصر بظروفه التي تمّ فيها، والملابسات التي أحاطت به، تبدو فيه رائحة المعجزة الخارقة، ومن ثم اضطرّ رجل كعبد الله بن أبيّ بن سلول، من عظماء الخزرج، أن ينزل عن كبريائه وكراهته لهذا الدين ولنبيّه الكريم، وأن يكبت حقده وحسده للرسول الكريم، وأن ينضم منافقا للجماعة المسلمة وهو يقول: «هذا أمر قد توجه» ، أي ظهرت له وجهة هو ماض فيها لا يردّه عنها رادّ.
بذلك وجدت بذرة النفاق في المدينة أو نمت وأفرخت. وقد وجد هؤلاء المنافقون حلفاء طبيعيين لهم في اليهود الذين كانوا يجدون في أنفسهم من الحقد على الإسلام والمسلمين مثل ما يجد المنافقون بل أشد.
ولذلك نزل القرآن الكريم يوضح حقيقة الألوهية، ويبيّن الحق في الرسالة، ثم يوضح العلة التي أعمت الناس عن رؤية الحق، وهي علة الغرور بالمال والولد. وقد استنفدت سورة آل عمران أكثر من نصفها في توضيح هذين المقصدين.
ثم توجهت السورة إلى جماعة المؤمنين الذين جمعهم الحق، وتكوّنوا على أساس الرحمة بالخلق لتحذرهم