يكون سابغا غير قالص «1» ، وزائدا غير ناقص.
وقوله تعالى: وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ [الآية 88] فيه استعارة على التأويلين جميعا. إما أن تكون «غلف» جمع أغلف، مثل أحمر وحمر، يقال سيف أغلف، أو تكون جمع غلاف، مثل حمار وحمر، وتخفّف فيقال حمر، وكذلك يجمع غلاف، فيقال: غلف وغلف بالتثقيل والتخفيف. قال أبو عبيدة: كل شيء في غلاف فهو أغلف، يقال: سيف أغلف، وقوس غلفاء، ورجل أغلف: إذا لم يختتن.
فمن قرأ غلف، على جمع أغلف، فالمعنى أنّ المشركين قالوا: قلوبنا في أغطية عمّا يقوله، يريدون النبيّ (ص) .
ونظير ذلك قوله سبحانه، حاكيا عنهم:
وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ [فصّلت: 5] . ومن يقرأ:
(قلوبنا غلف) على جمع غلاف بالتثقيل والتخفيف، فمعنى ذلك: قالوا قلوبنا في أوعية فارغة لا شيء فيها. فلا تكثر علينا من قولك، فإنّا لا نعي منه شيئا.
فكان قولهم هذا على طريق الاستعفاء من كلامه، والاحتجاز عن دعائه.
وقوله سبحانه: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ [الآية 93] وهذه استعارة. والمراد بها صفة قلوبهم بالمبالغة في حبّ العجل، فكأنّها تشرّبت حبّه فمازجها ممازجة المشروب، وخالطها مخالطة الشيء الملذوذ. وحذف حبّ العجل لدلالة الكلام عليه، لأنّ القلوب لا يصحّ وصفها بتشرّب العجل على الحقيقة.
وقوله سبحانه: بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) استعارة أخرى: لأنّ الإيمان على الحقيقة لا يصحّ عليه النطق، فالأمر إنّما يكون بالقول. فالمراد إذا بذلك- والله أعلم- أنّ الإيمان إنّما يكون دلالة على صدّ الكفر والضّلال، وترغيبا في اتّباع الهدى والرشاد، وأنّه لا يكون ترغيبا في سفاهة، ولا دلالة على ضلالة. فأقام تعالى ذكر الأمر هاهنا مقام الترغيب والدلالة، على طريق المجاز والاستعارة، إذ كان المرغّب في الشيء والمدلول عليه، قد يفعله كما يفعله المأمور به والمندوب إليه.