. ولكنّهم لما لم يعلموا هذه الآلات في مذاهب الاستدلال بها، كانوا كمن فقد أعيانها، ورمى بالآفات فيها. قال تعالى: وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ [التوبة: 87] «2» كما قال سبحانه: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [الآية 7] لأنّ الطبع من الطابع، والختم من الخاتم، وهما بمعنى واحد. وإنّما فعل سبحانه ذلك بهم عقوبة لهم على كفرهم.
وقوله سبحانه: وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ [الآية 7] استعارة أخرى. لأنّهم كانوا على الحقيقة ينظرون إلى الأشخاص، ويقلّبون الأبصار، إلّا أنّهم لمّا لم ينتفعوا بالنظر، ولم يعتبروا بالعبر وصف سبحانه أبصارهم بالغشي، وأجراهم مجرى الخوابط الغواشي، أو يكون تعالى كنّى هاهنا بالأبصار عن البصائر، إذا كانوا غير منتفعين بها، ولا مهتدين بأدلّتها. لأنّ الإنسان يهدى ببصيرته إلى طرق نجاته، كما يهدى ببصره إلى مواقع خطواته.
وقوله تعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً [الآية 10] والمرض في الأجسام حقيقة وفي القلوب استعارة، لأنّه فساد في القلوب كما أنّه فساد في الحقيقة، وإن اختلفت جهة الفساد في الموضعين.
وقوله سبحانه: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) وهاتان