تعالى: كَما هَداكُمْ يعني اذكروه بأحديّته كما ذكركم بهدايته، أو إشارة الى أنّه جلّ وعلا أراد بالذكر الأوّل الجمع بين الصلاتين بمزدلفة، وبالثاني الدعاء بعد الفجر بها، فلا تكرار.
فإن قيل: لم قال الله تعالى: فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ [الآية 198] إلى أن قال: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ [الآية 199] وأراد به الإفاضة من عرفات بلا خلاف، وبعد المجيء إلى مزدلفة والذّكر فيها مرتين، كما فسّرنا كيف يفيضون من عرفات.
قلنا: فيه تقديم وتأخير تقديره: من ربّكم ثم أفيضوا من حيث أفاض النّاس، فإذا أفضتم من عرفات.
فإن قيل: لم قال الله تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [الآية 203] ومعلوم أنّ المتعجّل التارك بعض الرمي، إذا لم يكن عليه إثم، لا يكون على المتأخّر الآتي بالرمي كاملا؟
قلنا: كان أهل الجاهلية فريقين، منهم من جعل المتعجّل آثما، ومنهم من جعل المتأخّر آثما، فأخبر الله تعالى بنفي الإثم عنهما جميعا، أو معناه لا إثم على المتأخّر في تركه الأخذ بالرخصة، مع أنّ الله تعالى يحبّ أن تؤتى رخصه كما يحبّ أن تؤتى عزائمه، أو أنّ معناه أن انتفاء الإثم عنهما موقوف على التقوى، لا على مجرّد الرخصة أو العزيمة في الرمي ثمّ قيل المراد به تقوى المعاصي في الحجّ، وقيل تقوى المعاصي بعد الحجّ في بقيّة العمر، بالوفاء بما عاهد الله تعالى عليه، بعرفة وغيرها من مواقف الحجّ من التوبة والإنابة. والمشكل في هذه الآية قوله تعالى: فِي يَوْمَيْنِ والتعجيل المرخّص فيه، إنّما هو التعجيل في اليوم الثاني من أيام التشريق.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210) وهو يدلّ على أنّها كانت إلى غيره، كقولهم: رجع إلى فلان عبده ومنصبه؟
قلنا: هو خطاب لمن كان يعبد غير الله تعالى، وينسب أفعاله إلى سواه فأخبرهم أنّه إذا كشف لهم الغطاء يوم القيامة، ردّوا ما أضافوه لغيره بسبب كفرهم وظلمهم ولأنّ رجع يستعمل بمعنى صار ووصل، كقولهم: رجع عليّ من فلان مكروه، قال الشاعر [بحر الطويل] :