والعبادة، ولهذا اختار الأنبياء والأولياء والصّدّيقون الفقر على الغنى.
فإن قيل لم قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الآية 3] ، أي من يتق به فيما نابه كفاه الله شرّ ما أهمّه، وقد رأينا كثيرا من الناس يتوكّلون على الله في بعض أمورهم وحوائجهم، ولا يكفون همّها؟
قلنا: محال أنّه يتوكل على الله حقّ التوكّل ولا يكفيه همّه، بل ربما قلق وضجر واستبطأ قضاء حاجته بقلبه أو بلسانه أيضا، ففسد توكّله وإليه الإشارة بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ [الآية 3] أي نافذ حكمه، يبلغ ما يريده ولا يفوته مراد، ولا يعجزه مطلوب، وبقوله تعالى: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3) أي جعل لكل شيء، من الفقر والغنى، والمرض والصحة، والشدة والرخاء، ونحو ذلك، أجلا، ومنتهى ينتهي إليه لا يتقدّم عنه ولا يتأخّر.
فإن قيل: قوله تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ [الآية 4] ، علّقه بشكّنا مع أنّ عدّتهنّ ذلك سواء أوجد شكّنا أم لا؟
قلنا: المراد بالشّكّ الجهل بمقدار عدة الآيسة والصغيرة، وإنما علّق به لأنّه، لمّا نزل بيان عدّة ذوات الأقراء في سورة البقرة، قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: قد بقي الكبار والصغار لا ندري كم عدّتهنّ، فنزلت هذه الآية على هذا السبب، فلذلك جاءت مقيّدة بالشّكّ والجهل.
فإن قيل: إذا كانت المطلّقة طلاقا بائنا تجب لها النفقة عند بعض العلماء، فما الحكمة في قوله تعالى:
وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ [الآية 6] ؟
قلنا: الحكمة فيه، أن لا يتوهّم أنه إذا طالت مدّة الحمل بعد الطلاق حتّى مضت مدّة عدّة الحائل، سقطت النفقة فنفى سبحانه هذا الوهم، بقوله: حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الآية 6] .
فإن قيل: لم قال هنا: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (7) ، وقال تعالى في موضع آخر: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6) [الشرح] فكيف التوفيق بينهما؟
قلنا: المراد بقوله تعالى «مع» بعده لأنّ الضّدّين لا يجتمعان.
فإن قيل: لم قال تعالى: