فإذا اشتد الخلاف بين الزوجين، وكثر النزاع بينهما، فلا مانع من التّفاهم بالمعروف على نقاط الخلاف، ودراسة أسباب النزاع، ليتعرّف كلّ طرف على ما يؤلمه من الطرف الاخر، وهذه المعرفة يمكن أن تكون وسيلة عملية إلى أن يتجنّب كلّ طرف ما يؤلم شريك حياته، أو يخفف من هذه الآلام وهذا نوع من استدامة العشرة أو تحمل المسيرة.
فإذا لم يجد التفاهم الشخصيّ بين الزوجين، وتفاقمت الأمور وتحوّلت إلى النّفور والنشوز، والرّغبة في الإعراض والفرار، فليس الطلاق أوّل خاطر يهدي اليه الإسلام، بل لا بدّ من محاولة يقوم بها الآخرون، وتوفيق يحاوله أهل الخبرة والتجربة، أو أهل العلم والمعرفة بشئون الحياة الزوجية، أو بعض الأقارب المحنّكين. قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (35) [النساء] .
وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء: 128] .
وفي نصوص القرآن والسنة والآثار ما يحضّ على استبقاء الحياة الزوجية، والقناعة والرّضا، وعدم التطلّع إلى الآخرين.
قال تعالى: لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ [الحجر: 88] .
ويقول النبي (ص) «إن الله لا يحبّ الذوّاقين ولا الذوّاقات، فإذا تزوّجتم فلا تطلّقوا» .
وجاء رجل إلى سيّدنا عمر رضي الله عنه، يريد أن يطلّق زوجته، فسأله عمر عن السبب، فقال الرجل إنّي لا أحبّها، فقال له عمر: أو كلّ البيوت تبنى على الحبّ؟ فأين التذمّم وأين الوفاء؟ أي إنك أعطيت زوجتك أملا وعهدا صادقا، وذمّة بأن تكون لك، فاتق الله في هذا العهد، وهذه الذمة، وهذا الأمل فلا تهدم بيتك بيدك، ولا تخيّب آمالا تعلّقت بك.
وقد سمّى الله الزواج ميثاقا غليظا، ثمّ حثّ على حسن العشرة، أو على الفراق بالمعروف، والإحسان إلى الزوجة ومكارمتها، وترك بعض الأموال والمهر تطييبا لخاطرها، وتعويضا لها عمّا أصابها من أضرار.