أقول: لمّا وقع في آخر سورة «المنافقون» : وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [الآية 10] .
عقّب بسورة التغابن، لأنه قيل في معناه: إن الإنسان يأتي يوم القيامة، وقد جمع مالا، ولم يعمل به خيرا، فأخذه وارثه بسهولة، من غير مشقّة في جمعه، فأنفقه في وجوه الخير، فالجامع محاسب معذّب مع تعبه في جمعه، والوارث منعّم مثاب، مع سهولة وصوله إليه، وذلك هو التغابن.
فارتباطه باخر السورة المذكورة في غاية الوضوح. ولهذا قيل هنا:
وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) .
وأيضا ففي آخر «المنافقون» : لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الآية 9] . وفي هذه: نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
[الآية 15] .
وهذه الجملة كالتعليل لتلك الجملة، ولذا ذكرت على ترتيبها «2» .
وقال بعضهم: لمّا كانت سورة «المنافقون» رأس ثلاث وستين سورة، أشير فيها إلى وفاة النبي (ص) بقوله تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها [الآية 11] . فإنّه مات على رأس ثلاث وستين سنة، وعقّبها بالتغابن، ليظهر التغابن في فقده (ص) «3» .