وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) .
وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبيّ ما كان من أمر أبيه، فأتى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله، إنّه قد بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبيّ فيما بلغك عنه فإن كنت لا بدّ فاعلا فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فو الله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبرّ بوالده مني، وإنّي أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس فأقتله، فأقتل رجلا مؤمنا بكافر، فأدخل النار فقال رسول الله (ص) بل نترفّق به، ونحسن صحبته ما بقي معنا.
وصفت الآيات الأربع الأولى من السورة رياء المنافقين، وكشفت خداعهم: إنهم يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ويسارعون بالشهادة لله سبحانه بالوحدانية ولمحمد (ص) بالرسالة، وهم كاذبون في هذه الشهادة، لأنّها لا تطابق عقيدتهم، ولا توافق ما يضمرونه في قلوبهم [الآية 1] . وكانوا يحلفون بالله كذبا، ويتحصّنون بهذا الإيمان، وبئست أفعال الرجال، الكذب والأيمان الفاجرة [الآية 2] .
لقد تكرّر نفاقهم، وطبع الله على قلوبهم، فلا ينفذ إليهم الهدى والإيمان [الآية 3] .
وكان فيهم أقوام صباح الوجوه، أشدّاء البنية، فصحاء الألسنة فإذا تكلّموا أعجبوا السّامع بكلامهم المعسول، ولكنّ واقعهم لا يوافق ظاهرهم وإن عداوتهم ضاربة، فاحذرهم واتّق جانبهم في حياتك «1» ، فإنهم سيلقون مصيرهم المحتوم بالهلاك والنكال [الآية 4] .
وتشير الآيات [4- 8] إلى ما حدث من عبد الله بن أبيّ بن سلول، في أعقاب غزوة بني المصطلق، وقد مرّت قصتها.
ولمّا انكشف أمره، دعاه الناس ليستغفر له الرسول الأمين، فأعرض ولوى وجهه، خوفا من مواجهة الرسول بالحقيقة. [الآية 5] .