الطريق، إلى أن ذكر مما يقوله المتقون في سبب نعيمهم: إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28) .
ثم انتقل السياق من هذا الى أمر النبي (ص) بأن يستمر على تذكيره بما أنزل عليه من ذلك الإنذار، لأنه حق ليس بقول كاهن ولا مجنون ولا شاعر كما يزعمون، ولأنهم لا ينكرون عن عقل، وإنما هم قوم طاغون ثم أمرهم، جلّ وعلا، على سبيل الإلزام، أن يأتوا بمثله إن كانوا صادقين في ما يفترونه عليه، ليظهر عجزهم ويبطل ما زعموه من أنه كاهن أو مجنون أو شاعر. ثم سلك طريقا آخر في إلزامهم فذكر أنهم لم يخلقوا من غير شيء، بلى لا بد لهم من خالق، وأنهم لا يملكون شيئا من أمر هذا الخلق حتّى يقطعوا بنفي الحساب والعقاب، وأنهم لم ينزل عليهم بذلك نبأ من السماء، فألزمهم بأنّ لهم خالقا هو الذي يتصرف في أمورهم، ولا يملكون أن يمنعوا ما يريده من حسابهم على أعمالهم وذكر سبحانه أنه لا شريك له في ذلك من الملائكة الذين يزعمون أنهم بناته ثم انتقل السياق الى إلزامهم بطريق آخر فذكر تعالى أن النبي (ص) لا يسألهم على إنذاره أجرا حتى يتهم فيه أو يثقلهم به، وأنهم لا علم عندهم بالغيب حتى يقطعوا بأنه لا حساب عليهم، وأنه لم يبق بعد هذا إلّا أن يريدوا الكيد والعذاب لأنفسهم لقيام هذه الإلزامات عليهم، أو يكون لهم إله غير الله يدفع العذاب عنهم سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) .
ثم ختمت السورة ببيان فرط طغيانهم وعنادهم في تكذيب ما أنذروا به، فذكر عزّ وجلّ أنهم لو نزّل عليهم كسف من السماء لعذابهم لقالوا: هذا سحاب تراكم بعضه على بعض ليمطرنا، وأمر النبي (ص) أن يتركهم في هذا الطغيان والعناد حتّى يلاقوا ما ينكرون. ثم ذكر أن لهم عذابا دون عذاب الاخرة بتسليط المسلمين عليهم. وأمر النبي (ص) بالصبر الى أن يفي بهذا الوعد، فقال وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (49) .