قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) فذكر من أدب المؤمنين مع الله ورسوله ألّا يتقدموا عليهما بالرأي، وألّا يرفعوا أصواتهم فوق صوت الرسول (ص) ، وألّا يجهروا له بالخطاب كجهر بعضهم لبعض، وألّا ينادوه من وراء الحجرات كما ناداه بعض جفاة الأعراب: وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) .
ثم قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (6) ، فذكر من أدب المؤمنين في سماع الأخبار أن يتثبّتوا في تصديق أخبار الفسّاق، فلا يسمعوا لكلّ ما يلقى إليهم كما سمعوا لما ألقي إليهم، في ذلك الصلح، ولو أن الرسول سمع إليهم في هذا وفي غيره من أمورهم، لوقعوا في العنت. ولكن الله حبّب إليهم الإيمان، وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، فلم يجعلوا لهم رأيا مع رأيه فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8) .
ثم قال تعالى: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما [الآية 9] ، فرغّب المؤمنين في الصلح لئلّا يأبوه كما أبوه في الحديبية، وأمرهم أن يصلحوا بين كلّ طائفتين تقتتلان من المؤمنين، وأن يقاتلوا من يأبى منهما الصلح حتى يرضى به، فإذا رضي به وجب أن يصلح بينهما بالعدل، ثم نهاهم عمّا يوجب الخصام بينهم من سخرية بعضهم ببعض، ومن عيب بعضهم الآخر في غيبته، وهو اللّمز، ومن تسمية بعضهم بعضا بما يحطّ منه، وهو النّبز، ومن سوء ظنّ بعضهم ببعض، إلى غير هذا ممّا يوجب الخصام بينهم ثم ذكر، جلّ وعلا، أنه خلقهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا لا ليتناكروا ويتخاصموا، وأنّ أكرمهم