في حياة المسلمين، من مجرّد أن يكون نظاما سياسيّا للدولة، فهو طابع أساسي للجماعة كلها، يقوم على أمرها كجماعة، ثم يتسرب من الجماعة إلى الدولة، بوصفها ممثّلة للجماعة.
والتأمّل في صفات المؤمنين، يوحي بأن الإسلام دين القيم، دين يهتم بالجوهر لا بالعرض، وبتكوين النفس البشرية لا بالقيم الزائلة.
فما قيم الجماعة المؤمنة؟
إنها الإيمان، والتوكل، واجتناب كبائر الإثم والفواحش، والمغفرة عند الغضب، والاستجابة لله، وإقامة الصلاة، والشورى الشاملة، والإنفاق ممّا رزق الله، والانتصار من البغي، والعفو والإصلاح والصبر.
وبهذه القيم تحوّل العرب من أشتات مختلفين إلى أمّة متماسكة، متراحمة مؤمنة بالله مستقيمة على هداه وتعاليمه، فوطّأ الله لهم أكناف الأرض، وصاروا خير أمة أخرجت للناس.
وبعد تقرير صفة المؤمنين، وما ينتظرهم من عون وإنعام تعرض الآيات في الصفحة المقابلة، صورة الظالمين الضّالّين، وما ينتظرهم من ذلّ وخسران في يوم القيامة:
يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ.
وفي ظل هذا المشهد، نجد القرآن الكريم، يدعو الناس إلى إنقاذ أنفسهم من مثل هذا الموقف، قبل فوات الأوان:
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ [الآية 47] .
ويمضي سياق السورة حتى ختامها، يدور حول محور الوحي والرسالة، وأثرهما في صفات المؤمنين، مع بعض الاستطراد إلى وصف الكافرين، وبيان صفات الله الخالق الوهّاب، القابض الباسط، قال تعالى:
لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) .
ويعود السياق في نهاية السورة، إلى الحديث عن طبيعة الوحي وطريقته.
وهناك ارتباط ظاهر بين الحديث عن