الحقّ الخالص الذي لا يشوبه شائب، ولا يلحقه طالب.
وقال بعضهم: معنى ذلك أن الشيطان والإنسان لا يقدران على أن ينتقصا منه حقّا، أو أن يزيدا فيه باطلا.
وقال بعضهم: معنى ذلك، أنه لا باطل فيه، من الإخبار عمّا كان وما يكون. فكأنّ المراد بقوله سبحانه: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أي من جهة ما أخبر عنه من الأمور الواقعة. وبقوله تعالى: وَلا مِنْ خَلْفِهِ أي من جهة ما أخبر عنه من الأمور المتوقعة.
وفي قوله سبحانه: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (44) استعارة.
والمراد بها، والله أعلم، صفتهم بالتباعد عن طريق الرشد، والإعراض عن دعاء الحق. كأنهم من شدة الذهاب بأسماعهم، والانصراف بقلوبهم ينادون من مكان بعيد. فالنداء غير مسمع لهم، ولا واصل إليهم. ولو سمعوه لضلّ عنهم فهمه للصدّ «1» المنفرج بينهم وبينه.
وفي قوله سبحانه وتعالى: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (51) استعارة. والمراد بها صفة الدعاء بالسّعة والكثرة، وليس يراد العرض الذي هو ضدّ للطّول. وذلك أن صفة الشيء بالعرض تفيد فيه معنى الطول لأنه لو لم يكن مع العرض طول لكان العرض هو الطّول. ألا ترى أنهم يصفون الرّمح بالطول، ولا يصفونه بالعرض إذا كان طوله أضعاف عرضه، ويصفون الإزار بأنه عريض إذ كان عرضه مقاربا لطوله.
وقد استقصينا شرح ذلك في كتابنا الكبير واقتصرنا منه هاهنا على البلغة الكافية، والنكتة الشافية.