بما اغترّوا به من تقلّبهم في البلاد، فقد سبقهم إلى هذا الغرور من كان أشدّ منهم من قوم نوح والأحزاب من بعدهم، فكذّبوا رسلهم وهمّوا بهم ليأخذوهم فأخذهم الله بعقابه وأهلكهم. ثم شرع السياق في الترغيب بعد الترهيب، وذلك بالتذكير أن الملائكة يستغفرون لمن آمن به جلّ وعلا، ويطلبون منه أن يدخلهم ما وعدهم به من جناته. ثم عاد السياق إلى ترهيب الكافرين بعذاب الآخرة بعد ترهيبهم بعذاب الدنيا، إلى قوله تعالى في بيان السّبب: ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) .
ثم قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فذكر الدليل على تفرّده بالألوهية، وأمر بإخلاص العبادة له، ثم وصف نفسه، جلّ وعلا، بأنه رفيع الدرجات يختار لرسالته من يشاء لينذر يوم التّلاقي.
ومضى في ترهيبهم بهذا اليوم إلى أن ذكر أنه ليس للظالمين فيه حميم ولا شفيع ممّا يعدّونه من دونه، وأنه هو الذي يقضي فيه بالحق، والذين يعبدون من دونه لا يقضون بشيء. ثم أخذ السياق في ترهيبهم بما حصل لمن كفر قبلهم، وكانوا أشدّ منهم قوّة وآثارا في الأرض فلم تغن عنهم قوّتهم شيئا ولا آلهتهم وذكر من أخبار هؤلاء الكفّار خبر فرعون وهامان وقارون مع موسى. وتمتاز قصتهم هنا بتفصيل ما كان فيها من مؤمن آل فرعون، إلى أن ذكر ما حاق بهم من سوء العذاب في دنياهم وأخراهم. وختم ذلك بما كان من نصر موسى وقومه: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (53) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (54) .
ثم قال تعالى: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (55) فأمر النبي (ص) بالصبر على هؤلاء المشركين المغترين بدنياهم، ووعده