إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (6) مع أنّ غير سماء الدنيا مزيّنة بالكواكب أيضا؟
قلنا: إنّما خصّها بالذّكر لأنّا نحن نرى سماء الدنيا لا غير.
فإن قيل: لم مدح سبحانه نوحا (ع) بقوله: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) مع أنّ مرتبة الرّسل فوق مرتبة المؤمنين؟
قلنا: إنّما مدحه بذلك، تنبيها لنا على جلالة محلّ الإيمان وشرفه، وترغيبا في تحصيله والثبات عليه، والازدياد منه، كما قال تعالى في مدح إبراهيم (ع) : وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27) .
فإن قيل: لم قال تعالى: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) والنّظر إنّما يعدّى بإلى، قال الله تعالى وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ [الأعراف: 143] وقال: فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ [الروم: 50] .
قلنا: «في» هنا بمعنى «إلى» كما في قوله تعالى: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ [إبراهيم: 9] الثاني: أنّ المراد به، نظر الفكر لا نظر العين، ونظر الفكر إنّما يعدّى بفي قال الله تعالى:
أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الأعراف: 185] فصار المعنى ففكّر في علم النجوم أو في حال النجوم.
فإن قيل: لم استجاز إبراهيم (ع) أن يقول، كما ورد في التنزيل: إِنِّي سَقِيمٌ (89) ولم يكن سقيما؟
قلنا: معناه سأسقم، كما في قوله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ [الزمر: 30] فهو من معاريض الكلام، قاله ليتخلّف عنهم إذا خرجوا إلى عيدهم، فيكيد أصنامهم.
وقال ابن الأنباري: أعلمه الله تعالى أنّه يمتحنه بالسّقم إذا طلع نجم كذا، فلمّا رآه علم أنه سيسقم. وقيل معناه: إنّي سقيم القلب عليكم، إذا عبدتم الأصنام، وتكهّنتم بنجوم لا تضرّ ولا تنفع. وقيل إنّه عرض له مرض، وكان سقيما حقيقة. وقال الزّمخشري: قد جوّز بعض الناس الكذب في المكيدة في الحرب، والتقيّة، وإرضاء الزوج، والصلح بين المتخاصمين والمتهاجرين. قال: والصحيح أن الكذب حرام إلّا إذا عرّض وورّى وإبراهيم صلوات الله عليه، عرّض بقوله وورّى، فإنه أراد أنّ من في عنقه الموت سقيم، كما قيل في المثل «كفى بالسلامة داء» وقال لبيد:
ودعوت ربّي بالسّلامة جاهدا