أقرب إلى المسلمين من الفرس، ولهذا حزن المسلمون لهزيمتهم وفرح مشركو قريش.
قال الله تعالى: الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فذكر أن الروم غلبوا، ووعد بنصرهم على من غلبهم، ليفرح المؤمنون بنصرهم لأنّهم أهل كتاب مثلهم ثم ذكر سبحانه أنه إذا وعد لا يخلف وعده، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون، لأنّ علمهم لا يتعدّى ظاهرا أمور الدنيا من ملاذّها وملاعبها، ولا يصل إلى باطنها وأسرارها، وهم إلى هذا غافلون عن الاخرة ولا يصلون إلى علمها، فهم لهذا كلّه ينكرون وعده بالنصر ولا يصدّقون به، وينكرون الحشر وما أعدّ لهم فيه ثمّ حثّهم على ما يوصلهم إلى العلم بذلك من الفكر والنظر، لأنهم لو فكّروا في خلق السماوات والأرض وما بينهما، لعلموا أن الله جلّ جلاله لم يخلقهم إلّا لحكمة وأجل معيّن، ثمّ يكون بعد ذلك ما ينكرونه من الحشر، ولو ساروا في الأرض لرأوا عاقبة من كذّب قبلهم من الأمم، وحملهم ذلك على التصديق بما وعد الله من النصر ثم ذكر أنه هو الذي بدأ الخلق فهو قادر على إعادته وعلى حشرهم إليه بعد موتهم، وأنّهم يوم يحشرون إليه لا يجدون إلى الخلاص طريقا، ولا يكون لهم شفيع من شركائهم، ويكافرون بهم بعد مشاهدة عجزهم ويومئذ يتفرّق كلّ من المؤمنين والكافرين إلى ما أعدّ لهم، فأمّا المؤمنون فهم في روضة يحبرون وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (16) .
ثمّ قال تعالى: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) فأمرهم بالمواظبة على الصلاة في أوقاتها من الصباح والمساء والعشيّ والظّهيرة، كما أمرهم بذلك في السّورة السابقة ثمّ ذكر بما يوجب عليهم القيام بتسبيحه وحمده فيها، أنّه هو الذي يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ،