الاخر، لأنّ الأوّل نوى أن يكون بمنزلة الاسم، وفي الثاني الواو «1» . وإن شئت جزمت على العطف، كأنّك قلت «ولمّا يعلم الصابرين» «2» . فإن قال قائل:
«ولمّا يعلم الله الصابرين» وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ فهو لم يعلمهم؟ قلت بل قد علم، ولكنّ هذا، فيما يذكر أهل التأويل، ليبيّن للناس، كأنّه قال «ليعلمه الناس» كما قال جلّ جلاله لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (12) [الكهف] وهو قد علم، ولكن ليبيّن ذلك. قد قرأ أقوام، أشباه هذا، في القرآن (ليعلم أيّ الحزبين) «3» ولا أراهم قرءوه، إلّا لجهلهم بالوجه الاخر.
وممّا جاء بالواو وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ [الآية 42] إن شئت، جعلت وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ نصبا، إذا نويت أن تجعل الأول اسما، فتضمر مع تَكْتُمُوا «أن» ، حتّى تكون اسما. وإن شئت عطفتها، فجعلتها جزما على الفعل الذي قبلها. قال تعالى أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما [الأعراف: 22] فعطف القول على الفعل المجزوم، فجزمه. وزعموا أنّه في قراءة ابن مسعود (وأقول لكما) «4» على ضمير «أن» ، ونوى أن يجعل الأوّل اسما، وقال الشاعر «5» [من الطويل وهو الشاهد الثامن والثلاثون] :
لقد كان في حول ثواء ثويته ... تقضّي لبانات ويسأم سائم «6»
- ثواء وثواء أو ثواء رفع نصب وخفض- فنصب على ضمير «أن» لأنّ