إن قيل: قال تعالى: وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ [الآية 12] ثم قال سبحانه: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [الآية 13] ؟
قلنا: معناه: وما الكافرون بحاملين شيئا من خطايا المؤمنين، التي ضمنوا حملها، وليحملنّ الكافرون أثقال أنفسهم، وهي ذنوب ضلالهم، وأثقالا مع أثقالهم، وهي ذنوب إضلالهم غير هم من الكفار، لا خطايا المؤمنين التي نفى سبحانه عنهم حملها وقد سبق نظير هذا في قوله تعالى وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [الأنعام: 164] .
فإن قيل: ما الحكمة في العدول عن القول «تسعمائة وخمسين عاما» إلى قوله سبحانه أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً [الآية 14] مع أن عادة أهل الحساب هي اللفظ الأول؟
قلنا: لما كانت القصة مسوقة، لتسلية النبي (ص) بذكر ما ابتلي به نوح عليه السلام، من أمته، وكابده من طول مصابرتهم، كان ذكر أقصى العدد، الذي لا عقد أكثر منه في مراتب العدد، أفخم وأعظم إلى الغرض المقصود، وهو استطالة السامع مدة صبره. وفيه فائدة أخرى، وهي نفي وهم إرادة المجاز، بإطلاق لفظ التسعمائة والخمسين على أكثرها، فإنّ هذا الوهم هو مع ذكر الألف، والاستثناء منتف، أو هو أبعد.
فإن قيل: لم جاء المميّز أولا بلفظ «السنة» والثاني بلفظ «العام» ؟