بحيث نرعاك ونحفظك، ونمنع منك من يريدك.
أو يكون المعنى: واصنع الفلك بأعين أوليائنا من الملائكة، والمؤمنين، فإنّا نمنعك بهم، ونشدّك بمعاضدتهم، فلا يصل إليك من أرادك، ولا تبلغك مرامي من كادك.
وفي قوله سبحانه: فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41) استعارة.
والمراد بها، والله أعلم، أنه عاجلهم بالاستئصال والهلاك، فطاحوا كما يطيح الغثاء، إذا سال به السيل.
والغثاء: ما حملت السيول في ممرّها من أضغاث النبات، وهشيم الأوراق، وما يجري مجرى ذلك. فكأنّ أولئك القوم هلكوا، ولم يحسّ لهم أثر، كما لا يحسّ أثر ما طاح به السيل، من هذه الأشياء المذكورة.
والعرب يعبّرون عن هلاك القوم بقولهم: قد سال بهم السيل. فيجوز أن يكون قوله سبحانه: فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً، كناية عن الهلاك، كما كنوا بقولهم: سال بهم السيل عن الهلاك. والمعنى: فجعلناهم كالغثاء الطافح في سرعة انجفاله «1» ، وهو ان فقدانه.
وفي قوله سبحانه: وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (62) استعارة.
والنطق لا يوصف به، إلّا من يتكلم بالة.
وكان قاضي القضاة «2» أبو الحسن يجيب بذلك من يسأله: هل يجوز أن يوصف القديم تعالى بأنه ناطق، كما يوصف بأنه يتكلّم؟ فمنع من ذلك، وقال: ما قدّمت ذكره. فوصف سبحانه القرآن بالنطق، مبالغة في وصفه بإظهار البيان. وإعلان البرهان، وتشبيها باللسان الناطق، في الإبانة عن ضميره، والكشف عن مستوره.
وفي قوله سبحانه: بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا [الآية 63] استعارة.
والمراد بها، أنّ القوم الذين قال سبحانه فيهم، أمام هذه الآية، هم الموصوفون بقوله تعالى: بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا أي في حيرة تغمرها، وغمّة تسترها. والغمر جمع غمرة.
وهو ما وقع الإنسان فيه من أمر