فيما لم يسلم منه نبي من الأنبياء من تمنّي التعجيل بالنصر على الأعداء، فذكر تعالى أن مثل هذا مما يلقيه الشيطان في أمنيّته، وأنه ينسخ ما يلقيه من هذا فلا يظهر أثره خارج القلب، ثم يحكم آياته، وينزل سبحانه نصره في الوقت الذي قدّره له ثم ذكر أنه لا يعجّل العذاب ليجعل ما يلقي الشيطان من طلب تعجيله أو تمنّيه فتنة لمرضى القلوب، فيمشوا وراء ما يلقي الشيطان. أما الذين أوتوا العلم، فيعلمون أنه الحق من ربهم، ولا يخرج بهم تمنّيه إلى طلب تعجيله، ثم ذكر أن هؤلاء الكافرين لا يزالون في شك من ذلك حتى تأتيهم الساعة فجأة، أو يأتيهم عذاب في يوم حرب. وهنالك يحكم الله بينهم، فالذين آمنوا يدخلهم جناته، والذين كفروا لهم عذاب مهين والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنّهم الله رزقا حسنا، وليدخلنّهم مدخلا يرضونه، ولينصرنّهم على من بغوا عليهم وأخرجوهم من ديارهم، وهو العفوّ الغفور، الذي يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، إلى غير هذا مما ذكره في تأييد قدرته على تحقيق وعده لهم. ثم انتقل السّياق من ذلك إلى تحريض الله سبحانه، لرسوله (ص) على الثبات في دعوته ليمضي في قتال المشركين، ويقطع أطماعهم في عدوله عنها، فذكر جلّ وعلا أن لكل أمة شريعة من الشرائع، فللمسلمين شريعتهم التي بعث بها، فليثبت عليها ولا يمكّن المشركين من أن يخدعوه عنها، وليثابر على الدعوة إليها، فإن جادلوه فيها بعد وضوح أدلتها فلينذرهم بأن الله يعلم ما لا يعلمون، وسيحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، وهو الذي يعلم ما في السماء والأرض فلا يخفى عليه شيء من أعمالهم.

ثم انتقل السّياق من ذلك إلى بيان فساد طريقة المشركين بعد بيان استقامة الدعوة إلى الله، فذكر تعالى أنهم يعبدون من دونه ما لا دليل لهم عليه من نقل أو عقل، وينكرون ما يتلى عليهم من الأدلة الواضحة على أنه سبحانه لا شريك له، ثم ذكر من ذلك مثلا ضربه لهم، وهو أن الذين يدعونهم من دونه لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له، وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه، ومن يكون أضعف من الذباب لا يمكن أن يكون إلها، ثم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015