قال الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) ، فأمر الناس بتقواه، وحذّرهم من أهوال الساعة التي يبلغ من شدتها أن تذهل بها كل مرضعة عمّا أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، ويرى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكنّ عذاب الله شديد.
ثم ذكر سبحانه، أن من الناس من يجادل في دين الله تقليدا من غير علم، فينكرون تلك الأهوال، ويرتابون في بعثهم بعد موتهم، وردّ عليهم بأنه خلقهم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلّقة وغير مخلقة، إلى غير هذا مما ذكره في سلسلة خلقهم، ومن يقدر على هذا، يقدر على أن يبعثهم كما خلقهم، ولا يصح لهم معه أن يرتابوا في الساعة وأهوالها.
ثم ذكر، جلّ وعلا، أن من الناس من يجادل في ذلك عنادا وكبرا، وهم رؤساء الذين أنكروه فيما سبق تقليدا، وأن منهم منافقين لا يجادلون في ذلك، ولكنهم لا يعتقدون في الثواب والعقاب، فيعبدون الله على حرف، أي على قلق واضطراب. فإن أصابوا خيرا دنيويّا من الغنائم ونحوها اطمأنوا به، وإن أصابهم شر أظهروا ما عندهم من النفاق، فيخسرون دنياهم وآخرتهم، ويدعون من دون الله ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ثم ذكر سبحانه أنه يدخل الذين آمنوا بذلك جنات تجري من تحتها الأنهار، وأنه ينصرهم في الاخرة والدنيا. وإذا كان أعداؤهم يظنون أنه لا ينصرهم فليفعلوا ما في وسعهم لمنع ذلك النصر، فإن كيدهم لا يذهب ما يغيظهم.
ثم انتقل السّياق إلى طريق آخر في إثبات ما ينكرونه من ذلك، فذكر اختلاف الناس في الدنيا إلى مؤمنين ويهود وصابئين ونصارى ومشركين، وأنه لا بد من أن يفصل الله سبحانه، بينهم في ذلك الخلاف، لأنه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، فيفصل بواسع علمه فصلا عادلا بينهم، ولأنه يسجد له من في السماوات ومن في الأرض، وكثير من الناس وكثير حقّ عليه العذاب، فلا بد من الفصل في هذا بينهم. ثم ذكر ما يحكم به على فريقي المؤمنين والكافرين من الذين اختلفوا