إن قيل: لم قال تعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ [الآية الأولى] ، وصفه بالقرب، وقد مضى من وقت هذا الإخبار زمن طويل، ولم يأزف يوم الحساب بعد؟
قلنا: معناه الأوّل: أنه قريب عند الله تعالى، وإن كان بعيدا عند الناس، كما قال تعالى: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَراهُ قَرِيباً (7) [المعارج] وقال تعالى:
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) [الحج] . الثاني: معناه أنه قريب بالنسبة إلى ما مضى من الزمان.
كما قال (ص) «إن مثل ما بقي من الدنيا في جنب ما مضى، كمثل خيط في ثوب» . الثالث: أنّ المراد به قرب حساب كلّ واحد في قبره إذا مات، ويؤيّده قوله (ص) «من مات فقد قامت قيامته» . الرابع: أنّ كلّ آت قريب، وإن طالت أوقات استقباله وترقّبه، وإنّما البعيد الذي وجد وانقرض ولهذا يقول الناس إذا سافروا من بلد إلى بلد، بعد ما جعلوا البلد الأول وراء ظهورهم: البلد الثاني أقرب، وإن كان أبعد مسافة.
فإن قيل: لم قال تعالى: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ [الآية 2] والذكر الآتي من الله تعالى هو القرآن، وهو قديم لا محدث؟
قلنا: المراد أوّلا محدث إنزاله.
ثانيا: أنّ المراد به ذكر يكون غير القرآن، من مواعظ الرسول (ص)