الرَّحْمنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (6) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (8) وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (10) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (19) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (22) [الرحمن] .
واشترع الشرائع، وسن القوانين، ووضع الأنظمة، وأقرّ العرف. وصاغ أجلّ العبر وضرب أروع الأمثال وقصّ أحسن القصص.
وبذلك لم يلامس كتاب إلهي أو بشريّ، في سحيق التاريخ وجديده، أعماق الروح وطمأنينة اليقين، كما لا مسهما القرآن المجيد. ولا استشهد في سبيل دعوته، ونشر كلمته، كما استشهد المسلمون الأولون ومن تبعهم بإحسان الى يومنا الحاضر. كما أنه لم يستشر في المقابل عنف كما استشرى عنف أعداء القرآن، حتى تعدّاه الى الناطقين بلغته، المنتسبين الى هويته. وما صمود القرآن المجيد أمام الدّعوات الهدّامة إلا آية من آياته، ومعجزة من معجزاته، لا يضارعها سوى آيات التحدي لنفس الناطقين بلغته، والصمت المطبق الذي لا يمكن أن يفسّر إلا بالعجز أمام إعجازه، والهزيمة أمام أبعاد إنجازه.
وبذلك تجلّى عجز الإنسان في تدبيره وتفكيره أمام عظمة الله في قرآنه.
وتجلّى نقص المخلوق، أمام كمال الخالق. وبدا القرآن رفيعا مترفعا، في حين بدت الكتب البشرية صغيرة صاغرة.
وهذا ما كنت أحسّه، ويسري في عروقي، إبّان الصّبا وفي طور الشّباب، كلّما سمعت تلاوة الكلام المنزل، وأتاني، من قرآن الفجر، ضوء يوشّي الغبش المنداح من حولي، مع كل صبح جديد.
وظلّ ذلك رجعا يتردّد في صدري، يراود مني سمعي والفؤاد، ويؤنسني في وحشتي، حتى تكوّن لي منه شيء كالنداء، هتف بي وألحّ، ثم دفعني إلى المكتبة الإسلامية دفعا رأيتني معه أبحث وأنقّب، أطلب المصادر القرآنية المتنوعة: من مصادر اللغة، إلى مصادر البيان، إلى مصادر النزول وأسبابه من