قلت: لمّا لم يقع الجواب عن الأول بالبيان «1» ، ناسب فصله في سورة.

ثم ظهر لي وجه آخر: وهو أنه لما قال سبحانه فيها: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا، والخطاب لليهود، واستظهر على ذلك بقصة موسى (ع) في بني إسرائيل مع الخضر (ع) ، التي كان سببها ذكر العالم والأعلم «2» ، وما دلت عليه معلومات الله عز وجل التي لا تحصى من الإحاطة، فكانت هذه السورة كإقامة الدليل على ما ذكر من الحكم.

وقد ورد في الحديث أنه لما نزل في سورة الإسراء: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (?) ، قال اليهود: قد أوتينا التوراة، فيها علم كل شيء، فنزل في هذه السورة «3» : قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (109) . فهذا وجه آخر في المناسبة. وتكون السورة من هذه الجهة جوابا عن شبهة الخصوم، فيما قدّر بتلك.

وأيضا، فلما قيل هناك: فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (104) [الإسراء] شرح ذلك هنا، وبسط، بقوله تعالى: فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ [الآية 98] إلى قوله جلّ وعلا: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (99) . وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (100) فهذه وجوه عديدة في الاتصال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015