والمستعمل الشائع دعاه فاستجاب لأمره أو بأمره: أي أجاب؟

قلنا: قال ابن عباس رضي الله عنهما: المراد بقوله تعالى بِحَمْدِهِ بأمره. وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه: إذا دعا الله الخلائق للبعث، يخرجون من قبورهم وهم ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون:

سبحانك اللهم وبحمدك وقال غيره وهم يقولون: الحمد لله الذي صدقنا وعده فعلى هذا تكون الباء بمعنى مع، كما في قوله تعالى: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ [المؤمنون: 20] وقوله تعالى فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ [الحجر: 98] .

فإن قيل: لم أجمل ذكر الأنبياء كلهم بقوله تعالى: وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ [الآية 55] ثم خصّ داود بالذكر فقال تعالى: وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (55) . قلنا: لأنه اجتمع له ما لم يجتمع لغيره من الأنبياء، وهو:

الرسالة، والكتابة والخطابة، والخلافة، والملك، والقضاء، في زمن واحد قال الله تعالى: وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (20) [ص] وقال جلّ شأنه: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ [ص: 26] . الثاني: أنّ قوله تعالى: وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ [الآية 55] إشارة إلى تفضيل محمد (ص) ، وقوله سبحانه: وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (55) دلالة على وجه تفضيله (ص) ، وهو أنه خاتم الأنبياء، وأنّ أمّته خير الأمم لأنّ ذلك مكتوب في زبور داود (ع) ، وإليه الإشارة بقوله تعالى:

وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (105) [الأنبياء] يعني محمّدا (ص) وأمته.

فإن قيل: لم نكّر الزّبور هنا، وعرّفه في قوله تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ [الأنبياء: 105] ؟

قلنا: يجوز أن يكون الزّبور من الأعلام التي تستعمل بالألف واللام، وبغيرهما، كالعبّاس والفضل والحسن والحسين ونحوها الثاني: أنه نكّره هنا لأنّه أراد: وآتينا داود بعض الزبور، وهي الكتاب. الثالث: أنّه نكّره لأنه أراد به، ما ذكر فيه رسول الله (ص) من الزبور، فسمى ذلك زبورا لأنه بعض الزبور، كما سمّى بعض القرآن قرآنا، فقال تعالى: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ [الآية 106] وقال تعالى: بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ [يوسف: 3] وأراد به سورة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015