قوله سبحانه: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ [الآية 2] هذه استعارة: لأن المراد بالروح، هاهنا، الوحي الذي يتضمن إحياء الخلق، والبيان عن الحقّ. ومثل ذلك قوله سبحانه: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى: 52] ومثله قوله سبحانه في المسيح (ع) : إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء: 171] فسمّاه تعالى روحا على هذا المعنى، لأنّ به حياة أمته، وبقاء شريعته.
فأما قوله سبحانه: وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ [السّجدة: 9] فإنما أراد بذلك الروح التي خلقها ليحيي عباده بها، وأضافها الى نفسه كما أضاف الأرض الى نفسه، إذ يقول تعالى: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها [النساء: 97] .
وكان أبو الفتح عثمان بن جنّي رحمه الله يقول: معنى قولهم في القسم:
«لعمر الله ما قلت ذلك، ولأفعلن ذلك» ، إنما يريدون به القسم بحياة يحيي الله بها، لا حياة يحيى بها، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا. فكان المقسم إذا أقسم بهذه الحياة، دخل ما يخصه منها في جملة قسمه، وجرى ذلك مجرى قوله: لعمري. فيصير مقسما بحياته التي أحياه الله بها.
والعمر هاهنا هو العمر. ومعناه الحياة.