وسيلة له، لأنه أجلّ من أن يتوجهوا إليه بأنفسهم وهم في هذا، كأصاغر الناس يخدمون حاشية الملك، وحاشيته هي التي تخدمه فهذه كلّها أمثال باطلة، والله يعلم الأمثال الصحيحة، وهم لا يعلمون.
ثم ضرب لهم من أمثاله الصحيحة، مثلين له ولشركائهم: أحدهما مثل عبد مملوك، لا يقدر على شيء ورجل رزق رزقا حسنا، ينفق منه سرّا وجهرا، فلا يصحّ أن يكون أحدهما مساويا للآخر. وثانيهما مثل رجلين، أحدهما أبكم لا يقدر على شيء، وهو ثقيل على مولاه أينما يوجّهه لا يأت بخير، وثانيهما يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، فلا يصحّ أيضا أن يكون أحدهما مساويا للآخر.
ثم ذكر، من صفات كماله، تأكيدا لمضمون هذين المثلين، أنّ له غيب السماوات والأرض، وأنّ أمر الساعة عنده كلمح البصر، أو هو أقرب، وأنه يخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا، ويجعل لنا السمع والأبصار والأفئدة، الى غير هذا من نعمه علينا ثم ذكر أنهم إن أعرضوا بعد هذا، فليس على النبي (ص) إلا أن يبلّغهم وذمّهم بأنهم يعرفون نعمته، ثم ينكرونها، وأكثرهم الكافرون.
ثم شرع في بيان حالهم وحال شركائهم في يوم بعثهم، ليذكر تكذيبهم لهم فيما يزعمونه من ألوهيتهم فذكر أنّه سبحانه، يبعث يوم القيامة مع كل أمة شهيدا منها، وهو رسولها. ثم لا يؤذن لمن كفر منها في كلام ولا استعتاب، وإذا رأوا عذابهم سيقوا إليه من غير إمهال، وإذا رأوا شركاءهم قالوا لربهم: هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ [الآية 86] فيكذبونهم، فيما ينسبونه إليهم من الألوهية، وهناك يستسلمون لما يحكم به عليهم، ولا يجدون أحدا من شركائهم يشفع لهم ثم ذكر أن من كان منهم، يضمّ الى كفره صدّ غيره عن الإيمان، يزيده عذابا فوق عذاب كفره ثم ذكر ثانيا، أنه يبعث من كل أمّة شهيدا عليهم منهم، ليذكر أنه يجيء بالنبي (ص) شهيدا على أمته، وقد قطع عليهم عذرهم، بتنزيله القرآن تبيانا لكلّ شيء، وهدى ورحمة وبشرى، لمن يؤمن به.
ولما ضرب في المثل الثاني من يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، فصّل