والشجر النامي، والليل والنهار والشمس والقمر والنجوم، والبحار والجبال والمعالم والسبل والأنهار، هو الدنيا بأحداثها ومصائرها، والاخرة بأقدارها ومشاهدها، هو الغيب بألوانه وأعماقه في الأنفس والآفاق.

في هذا المجال الفسيح يبدو سياق السورة وكأنه حملة ضخمة للتوجيه والتأثير واستجاشة العقل والضمير، حملة هادئة الإيقاع، ولكنها متعدّدة الأوتار، ليست في جلجلة سورة الأنعام وسورة الرعد، ولكنها في هدوئها تخاطب كل حاسة وكل حاسة وكل جارحة في الكيان البشري، وتتّجه الى العقل الواعي كما تتّجه الى الوجدان الحساس. إنها تخاطب العين لترى، والأذن لتسمع، واللمس ليستشعر، والوجدان ليتأثّر والعقل ليتدبّر، وتحشد الكون كله: سماءه وأرضه، شمسه وقمره، ليله ونهاره، جباله وبحاره، فجاجه وأنهاره، ظلاله وأكنانه، نبته وثماره، حيوانه وطيوره، كما تحشد دنياه وآخرته، وأسراره وغيوبه.. كلها أدوات توقع بها على أوتار الحواس والجوارح والعقول والقلوب، مختلف الإيقاعات التي لا ينغلق أمامها إلا القلب الميت والعقل المنكوس، والحس المطموس.

هذه الإيقاعات، تتناول التوجيه الى آيات الله في الكون، وآلائه على الناس، كما تتناول مشاهد القيامة، وصور الاحتضار ومصارع الغابرين، تصاحبها اللمسات الوجدانية، التي تتسرب الى أسرار الأنفس، وأحوال البشر، وهم أجنّة في البطون، وهم في الشباب والهرم والشيخوخة، وهم في حالات الضعف والقوة، وهم في أحوال النعمة والنقمة، كذلك تتّخذ السورة الأمثال، والمشاهد، والحوار، والقصص الخفيف، أدوات للعرض والإيضاح.

فأمّا الظلال العميقة التي تلون جو السورة كلّه، فهي الآيات الكونية تتجلى فيها عظمة الخالق، وعظمة النعمة وعظمة العلم والتدبير. كلها متداخلة، فهذا الخلق الهائل العظيم المدبر عن علم وتقدير، ملحوظ فيه أن يكون نعمة على البشر، لا تلبي ضروراتهم وحدها، ولكن تلبي أشواقهم كذلك، فتسدّ الضرورة، وتتخذ للزينة، وترتاح بها أبدانهم، وتستريح لها نفوسهم، لعلهم يشكرون. ومن ثم تتراءى في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015