«عضين» فيخرج به اللفظ عن أن يكون مستعارا، وذلك أن يكون معناها على ما قاله بعض المفسّرين معنى الكذب.
قال: وهو جمع عضة، كما كان في القول الأول، إلا أن العضة هاهنا معناها الكذب والزور، وفي القول الأول معناها التجزئة والتقسيم. وقد ذكر ثقات أهل اللغة في العضة وجوها.
فقالوا العضة النميمة، والعضة الكذب، وجمعه عضون. مثل عزة وعزون، والعضة السّحر، والعاضه الساحر.
وقد يجوز أن يكون جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91) جمع عضة، من السحر.
أي جعلوه سحرا وكهانة، كما قال سبحانه حاكيا عنهم إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) [المدّثّر] وإِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) ( [الأنعام، هود/ 7، سبأ/ 43، الصافات/ 15] .
وقوله سبحانه: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) . وهذه استعارة. لأن الصّدع على الحقيقة إنّما يصح في الأجسام لا في الخطاب والكلام. والفرق، والصدع، والفصل، في كلامهم بمعنى واحد. ومن ذلك قولهم للمصيب في كلامه: قد طبّق المفصل. ويقولون: فلان يفصل الخطاب. أي يصيب حقائقه، ويوضح غوامضه. فكأن المعنى في قوله سبحانه: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ أي أظهر القول وبيّنه في الفرق بين الحق والباطل. من قولهم صدع الرّداء، إذا شقّه شقّا بيّنا ظاهرا. ومن ذلك صدع الزجاجة. إذا استطار فيها الشق، واستبان فيها الكسر. وإنما قال سبحانه: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ ولم يقل:
فبلّغ ما تؤمر، لأن الصدع هاهنا أعمّ ظهورا وأشدّ تأثيرا.
وقد يجوز أيضا أن يكون المراد بذلك- والله أعلم- أن بالغ في إظهار أمرك، والدعاء إلى ربك، حتى يكون الدين في وضح الصبح، لا يشكّك نهجه، ولا يظلم فجه. مأخوذا ذلك من «1» «الصّديع» لشأنه ووضوح إعلانه.