هكذا يكون مصير الخلق، من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فقد وطأ لنفسه مكانا فى الجنة، وهو ما تشير إليه الآية المعقبة على الآيتين السابقتين، وذلك فى قول الله تعالى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (الروم: 45).
ويقول المولى موجها الخطاب مرة أخرى وفى نفس الغرض إلى عبده ورسوله ومبلغ رسالته، أن يطلب إلى الذين لا يؤمنون أن يسيروا فى الأرض ليتفكروا كيف بدأ الله الخلق، وكيف أن الله يميتهم ثم يحييهم مرة أخرى أو ينشئهم نشأة أخرى، وأنهم جميعا إليه ينقلبون قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (?).
ويظل التوجيه الإلهى بصيغة الخطاب الموجه من الله إلى عبده ورسوله، فى إطار من التشجيع والمواساة وذلك فى قوله تعالى:
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (الأنعام: 10). ويتكرر الخطاب إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يظل على صيغة أمر الكفار بالسير فى الأرض لتتسع آفاق المعرفة عندهم فيعرفوا عاقبة المكذبين قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (الأنعام: 11) ويظل النهج القرآنى العظيم على رسله فى خطاب الرسول ولكن بصيغة «قل» وذلك فى قوله تعالى: قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (?).
وتتخذ آيات الكتاب العزيز نهجا متغايرا فى السير فى الأرض، فبعد أن كان «السير» أمرا صار خبرا استنكاريا؛ ذلك أن عقاب الله حاق بالكافرين لأنهم ساروا فى الأرض وعلموا خبر الذين كفروا وخبر الذين آمنوا، ومع ذلك ظلوا مستمسكين بكفرهم، فدمر الله عليهم أسباب حياتهم، وذلك فى قوله تعالى فى سورة محمد:
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (10) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (11) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (?).