ولهذا كانت الأوامر والتوجيهات القرآنية والنبوية محرضة على التوحيد والتعاضد والتعاون والتضامن، فإن اليد وحدها لا تصفق، ويد الله مع الجماعة، والشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا.
يؤكد هذا: أن القوى المعادية للإسلام وأمته لا تعمل بصورة فردية، أو بقوى متناثرة أو مبعثرة، بل تعمل فى صورة جماعات وتكتلات منظمة، حددت غاياتها، وعينت طرائقها، واختير رجالها وقادتها، ورصدت لها مصادر التمويل الدائمة والطارئة.
فلا يجوز أن نقابل هذه القوى المتجمعة بأعمال فردية متفرقة، تعجز أن تنصر صديقا أو تقهر عدوا.
وما دامت الجماعة- على حد تعبيرنا- فريضة وضرورة، فريضة يوجبها الدين، وضرورة يحتمها الواقع: فلا بد لهذه الجماعة من رابط قوى يربط بين أفرادها، أشبه بما نسميه (المونة) أو (الإسمنت) الذى يربط (لبنات البناء) بعضها ببعض، حتى يكون كما جاء فى الحديث: «يشد بعضه بعضا»، أو كما قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (الصف: 4).
وهذا الرباط هو الأخوة الصادقة، التى هى صنو الإيمان ودليله، كما قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (الحجرات: 10). وكما فى الحديث الصحيح: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه (أى لا يتخلى عنه) ومن كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته».
ولا تكون الأخوة صادقة إلا إذا تجردت عن أعراض الدنيا، وتمحضت للدين، وخلصت لوجه الله تعالى، وهذا هو الحب فى الله، الذى كثرت فى فضله الأحاديث.
ومن ذلك ما رواه أبو هريرة عن النبى صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن من عباد الله عبادا ليسوا بأنبياء، يغبطهم الأنبياء والشهداء! قيل: من هم لعلنا نحبهم؟ قال: هم قوم تحابوا بنور الله، من غير أرحام ولا أنساب (أى لا تجمعهم قرابة ولا نسب) وجوههم نور، على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، ثم قرأ أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (يونس: 62)».
وقال رجل لمعاذ بن جبل: والله إنى لأحبك لله! فقال: الله؟ قال الرجل: قلت: لله، فأخذ بحبوة ردائى، فجذبنى إليه، وقال: أبشر، فإنى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتى للمتحابين فىّ، والمتجالسين فىّ، والمتزاورين فىّ».